انتشرت في الآونة ظاهرة عمل الشبان والشابات في المطاعم والمقاهي المزروعة في شوارع وأزقة في المدن الكبرى، بل وحتى في القرى النائية والصغرى.
ويأتي تزايد الإقبال على هذه المطاعم والمقاهي، بهدف السهر والسمر وتدخين النارجيلة، التي باتت وسيلة مهمة من وسائل التسلية، وعملا ً أساسيا في حياة شباب اليوم.
إن الأهداف التي تشجع الشباب على الإقبال على هذا العمل عديدة، منها: الحاجة المادية وانتشار البطالة، التي تدفع الشباب، المتعلم وغير المتعلم، إلى الإقبال على هذا النوع من العمل بغية الحصول على لقمة العيش، أو تأمين أقساط الجامعة الخاصة.
ومنها التسلية وقتل الفراغ وتأمين المصروف الشخصي.
ومنها أيضًا التقليد والمحاكاة للرفاق والزملاء الذين يزاولون هذه المهنة تحديًا للأهل وإثباتا لاستقلاليتهم عنهم..
إن انتشار هذه الظاهرة التي لم تكن معروفة في السنوات السابقة، بسبب ما كان يعرف بالعيب الاجتماعي، أمر فيه كثير من الايجابية، لما يتضمنه من تغيّر في القيم الاجتماعية السائدة سابقا، والتي كانت تستحقر بعض المهن، وتخصصها بفئة معينة من المواطنين والأجانب المنتمين إلى فئة اجتماعية وثقافية معينة.
إن الحكم على هذا العمل، الذي يقبل عليه الشبان والشابات على حد سواء، يطرح كثيرا من التساؤلات، ليس بسبب نوعية العمل، ولكن بسبب ما يتطلبه هذا العمل من أمور قد لا تتوافق في كثير من الأحيان مع الدين والقيم والأخلاق، ومن بين هذه التساؤلات:
1- طبيعة العمل التي تتضمن في معظمها، إلا ما رحم ربي، بعض المخالفات الشرعية الواضحة، مثل بيع المحرمات والمسكرات.
أو الاختلاط وكشف العورات، وغير ذلك من التصرفات اللا أخلاقية التي تحدث في مثل هذه الأماكن المشبوهة، والتي يرتادها البعض من اجل اللهو والفجور، أو من أجل تصيد الزبائن، من النساء والرجال، والحصول على بعض الملذات المحرمة.
2- دوام العمل الطويل، الذي قد لا ينتهي في الغالب قبل ساعات المساء الأخيرة. مما يجعل الطالب الذي يعود إلى البيت مرهقا، عاجزًا عن متابعة دراسته الذي تحمل عناء العمل من اجلها.
هذا إضافة إلى أن الرجوع المتأخر قد يتسبب بالنسبة للفتيات، بكثير من المخاطر، خاصة مع وجود خفافيش الليل الذين يستغلون هذه الساعات من اجل اقتناص زبائنهم.
3- خطر تعرض الفتاة التي تعمل في هذه الأماكن إلى أنواع عديدة من الإساءات الجنسية مثل التحرش من قبل الزبائن، أو التعرض للابتزاز من قبل بعض أرباب العمل، الذي يستغلون حاجة الفتاة إلى العمل من اجل إجبارها على بعض التصرفات اللا أخلاقية.
ولا يجب أن ننسى أخيرا الإغراءات المادية التي يمكن أن تتعرض لها الفتاة، من اجل جرها إلى ممارسة الفاحشة والانجراف إلى الرذيلة.
إن توظيف الشبان في هذه المهن، قد يكون له ما يبرره، خاصة مع الأزمة المالية العالمية التي حدّت من فرص العمل، ولكن ما لا يمكن تقبله هو توظيف الشابات في مثل هذه الأعمال، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول الأهداف والأسباب والنتائج الفردية والاجتماعية الناتجة عن ممارسة هذه الأعمال، ومن بين هذه الأسئلة التي يمكن طرحها، ما يلي:
1- ما هو موقف دعاة تحرير المرأة، الذين يصرون على رفض قيام المرأة بخدمة زوجها وأسرتها، بينما يقبلون بهذا العمل، مع ما فيه من إساءة لكرامة المرأة من قبل بعض أرباب العمل والزبائن؟ وهل فكرة كون هذا العمل مدفوع الأجر هو الذي يجعله مقبولا بنظر هؤلاء الدعاة، بينما لا يكون كذلك إذا كان في البيت وداخل الأسرة؟
وهل يمكن القول أن ممارسة هذا النوع من العمل هو الدليل الكافي على نجاح الفتاة في تحدي قيم مجتمعها عبر اختراق مهن كانت فيما مضى حكرا على الرجال فقط، أم انه دليل واضح على نجاح الحركات التحررية في تعديل وتبديل قيم المجتمع التي كانت تحترم المرأة وتصونها وتحميها من التعرض لكل ما يهينها ويذلها؟.
2- ما هو الهدف من وراء سعي أصحاب المطاعم لهذا النوع من التوظيف؟ هل هو بهدف التهرب من الضرائب والتكاليف التي يفرضها قانون العمل عليهم، مثل الضمان الصحي والتعويضات العائلية فقط؟ أم أن الهدف هو استغلال الفتيات، وخاصة الجميلات منهن، واستخدامهن كنوع من (الديكور) يزينون به واجهة محلاتهم،أو يستعملونهن كطعم من اجل جذب الزبائن إلى مطاعمهم؟
3- هل تستطيع كل الفتيات اللواتي يخترن هذا النوع من العمل أن يحمين أنفسهن من مخاطر الانزلاق في الأجواء الموبوءة التي ترافقه؟ أم أن الضغوطات والإغراءات المادية قد تترك أثرا ً على كثيرات منهن وتدفعهن إلى الانحراف بغية تحقيق الربح المادي السريع؟
أخيرا ً، إن رفض قيام الفتيات بهذا النوع من الأعمال، لا ينفي كون العمل بحد ذاته عملا شريفا إذا توفرت فيه شروطا معينة، منها عدم تضمنه ما يخالف الشرع والخلق، وأمن العامل على نفسه ودينه، وعدم إضاعته للهدف الأساس من وراء القبول بمثل هذا العمل، وهو طلب العلم.
إذ من الأفضل له في مثل هذه الحالة أن يقبل الانخراط في الجامعة الرسمية، حتى ولو لم تكن تتوافق مع طموحاته، من أن يحمل نفسه عبء تكاليف الجامعة الخاصة التي قد تفقده دينه وخلقه....
الكاتب: د. نهى عدنان قاطرجي
المصدر: موقع المستشار